||

عيد الأشباح


لكل أمة عاداتها وتقاليدها النابعة من ثقافتها وأصالتها، لذلك ونحن نعيش معًا على تلك الارض وجب علينا احترام ثقافة كل منا للآخر ورفض السلوك العدواني لبعض الدول الحديثة التي لم يترك لها أي تراث حضاري يذكر من عمليات إستهجان وتدمير ثقافات الشعوب الاخرى بدوافع مثيرة للسخرية مثل العولمة وإيجاد ثقافة موحدة للعالم والحرب على الإرهاب....الخ. ومما لا شك فيه ان محاوله إيجاد ثقافة ولغة حوار مشتركة بين الأمم هو سلاح ذو حدين قد يدفعك للإنفتاح علي العالم أو قد يؤدي بك في نهاية المطاف إلى ان تصبح كائن مسخ غير معلوم الهوية. وقد صدق أجدادنا إذ قالوا في المثل الشعبي "من فات قديمة تاه".

وقد وقفت الصين بثقافتها القوية نوعًا ما أمام ذلك الكم الهائل من المحاولات المستميته لمحو الثقافات.  وها هي الصين تبرهن لنا مرة اخرى على ان التقدم الإقتصادي والإجتماعي لا يتعارض بأي شكل من الأشكال مع الاحتفاظ بثقافتنا وموروثاتنا.


هل تتذكر صديقي العزيز عندما كانت تذهب جدتك لزيارة المقابر وتطلب من الأفراد هناك ان يقوموا بتنظيفها وري الزرع أو ربما كانت تقوم بذلك بنفسها أحيانًا. أراك ربما تشعر بالخجل الان لمجرد تذكرك للموقف، ولكن أنتظر من فضلك انها عادات وتقاليد لا تتناقض باي شكل من الأشكال مع معتقداتنا الدينية. وماذا لو قلت لك صديقي العزيز ان الصين بكل ما أوتيت في الوقت الحاضر من تقدم إقتصادي وعلمي لايزالون يحتفلون بعيد قديم من أهم شعائره الذهاب لكنس المقابر، انه عيد تشينغ مينغ. لا تستغرب ولا تستهجن مثلما يفعل معدومي الثقافات والحضارات وتعال معي نتعرف على هذا العيد.

عيد تشينغ مينغ هو أحد أهم الأعياد الصينية القديمة التي مازل يحتفل بها حتي اليوم. ويأتي العيد في أوائل شهر إبريل تحديدًا ما بين الرابع إلى السادس من شهر إبريل (متغير كل عام حسب التقويم الصيني ) وهذا اليوم هو الأطول نهارًا بين أيام السنة. ويرجع سبب تسميته ب"تشينغ مينغ" ذلك لان الرمز تشينغ يعني الصفاء اما مينغ فيعني الإشراقة، وكل ذلك مرتبط بصفاء الجو في ذلك اليوم من السنه، وللعيد العديد من الأسماء الاخرى مثل "عيد كنس المقابر" او "عيد الاشباح".

وترجع سبب تسميته بعيد "كنس المقابر" إلى ان اهم طقوس هذا العيد هي زيارة الناس لمقابر الأجداد والقيام بكنسها وتنظيفها وتقديم القرابين للاجداد، وبما ان الصين قد انتهجت سياسة حرق الموتى (عدا القوميات المسلمة التي تدفن موتاها طبعًا) في الفترة الاخيرة فقد تجد مشهدًا اخرًا وهو قيام الناس بتقديم القرابين للاجداد في الشوارع والطرقات فتجد اعواد البخور موقده وبجانبها بعض الاطعمه والفاكهه وزجاجات الخمر وبعض الرماد الناتج عن حرق اوراق النذور. واوراق النذور هي مطبوعات ورقيه علي شكل النقود يعتقد في أنه عند حرقها تصل للمتوفي والذي يحتاجها في عالمه الاخر.

ومن المظاهر الأخرى لهذا العيد هو زيارة أضرحة الشهداء والمشاهير ووضع أكاليل الزهور عليها، الذهاب في رحلة إلى المنتزهات والحدائق للتمتع بجمال الطبيعة وأستنشاق الهواء النقي، وقطع اغصان الصفصاف وتعليقها على ابواب المنازل.

فالنهاية نجد ان عيد تشينع مينغ من حيث التوقيت والمعنى هو اقرب مايكون بالشبه مع يوم شم النسيم  الذي يحتفل به المصريين حيث يخرج الناس للإستمتاع بالنسيم العليل مع اختلاف مظاهر الأحتفال.




تنوية : إن هدف الكاتب من الحديث عن مثل تلك الأعياد هو التعمق في فهم الشخصية الصينية وثقافتها ونظرتها للأشياء، وأنه لا يهدف من قريب أو بعيد لإضعاف إيمان أحدًا من القراء حيث أن الكاتب ممن يدينون بالإسلام، وذلك تجنبًا للخلط بين الأمور.

عن الكاتب: Amr

----"مدون مهتم بكل أبعاد التجربة الصينية، حاصل على ليسانس الآداب من جامعة القاهرة عام 2008، ثم الماجستير من جامعة لانجو الصينية في عام 2012."
    Blogger Comment
    Facebook Comment