||

الثورة الثقافية الكبرى بين الواقع والتحليل

 الحضارات مثل الإنسان تمامًا، منها من يمر بمراحل كمراحل نمو الإنسان حتى يموت، ومنها من يمر بمراحل تدهور ثم يصعد مرة أخرى. الثورات تلعب دور رئيسى في تغيير مصير الشعوب وتاريخها، فربما تختلف الأهداف التى تقوم من أجلها، وكلها تتفق في شىء واحد؛ وهو كتابة صفحة جديدة في تاريخ تلك الشعوب.


صورة للزعيم ماو وهو يخاطب الجماهير
لا تختلف الثورة الثقافية الكبرى التى قامت في الصين وتزعمها الزعيم الصينى ماو تزى تونغ عن الثورات الأخرى، فربما سمع الكثيرون بها  أو قرأوا عنها ولكن أغلب المصادر تكون غير صينية، واليوم سنتعرف عن الثورة الثقافية من وجهة نظر الصينيين، وتحليلهم لها، لذلك أخترت ذلك العنوان: الثورة الثقافية الكبرى بين الواقع والتحليل.

تأثر ماو تزى دونغ بالفكر الماركسى الإشتراكى، ولكنه طبقه بنكهة خاصة تتناسب مع الصين وتكوينها وظروفها وتركيبها، حتى ظهر فيما بعد بما عرف بالماوية، ويمكن أن نستشف ذلك من خلال أشهر المقولات للزعيم الصينى ماو تزى دونغ والتى بات يعرفها الصينون جميعا: "قد عرفنا الروسيون على الفكر الماركسى. فقبل ثورة أكتوبر، لم يكن يعرف الصينيون ستالين ولينين، بل كانوا يجهلون أيضا ماركس و فرديرك انجيلز. ولكن كان لثورة أكتوبر صدى قوى جدًا، عرفتنا بالماركيسية، واللنينية، بل وساعدت الصين والعالم كله،  فيمكن أن نتخذ البروليتاريا كأداة لمراقبة مصير بلادنا، وأن نفكر في مشاكلنا من جديد. فبأختصار ....يمكننا أن نتبع الخطى التى صار عليها الروسيون..."

لا شك أن الثورة الثقافية الكبرى أدخلت الصين في نفق مظلم،  فيمكن أن نعتبرها من أسوأ الفترات التى عاشتها الصين، لأن الأمور كلها خرجت عن السيطرة حين ذلك، ودخلت البلاد في  فوضى عارمة. 

إنطلقت الثورة الثقافية الكبرى بدعوة من  الزعيم الصينى ماو تزى دونغ، عام 1966 واستمرت حتى1976، لم تشمل الثورة الثقافية طبقة المثقفيين أو السياسيين فقط، بل حولها ماو إلى ثورة شعبية كبرى، لأنه كان يعلم أنه سيخسر الصراع إذا إقتصرت على طبقة بعينها، لذلك دعى إليها لكى تصبح ثورة كبرى.

أسباب دعوة الزعيم ماو إلى هذه الثورة:
كان الشباب هو الوقود الذى استخدمه الزعيم ماو في إشعال تلك الثورة، فدعى  الشباب للتمرد على كل شىء، بل والإنقلاب على الزعامة الشيوعية التى كانت تحكم في ذلك الوقت، ولا يمكن أن نذكر الثورة الثقافية الكبرى ونغفل عن ذكر الحرس الأحمر، والحرس الأحمر هم ليسوا حرس بالمعنى الحرفى، بل تنظيم خاص يتكون من مجموعة من الشباب، وأغلبهم من الطلبة، وأطلق عليهم اسم حرس، لأنهم عملوا على حماية الثورة، بل وكان لهم دور مؤثر وفعال.
ماو تزى دونغ يتوسط مجموعة من الحرس الأحمر

والسبب الذى دعى من أجله الزعيم ماو إلى هذه الثورة الشعبية هو أن عدد كبير من ممثلى البرجوازية ومعارضى الثورة من التحريفيين[1] قد تغلغوا في الحكومة، الجيش والحياة الثقافية، بل وشتى نواحي الحياة. ولكن في الحقيقة أن  السبب الرئيسى لدعوة ماو لقيام هذه الثورة هو كان الصراع حول السلطة، وسعى ماو تزى دونغ للتخلص من خصومه السياسيين.

الثورة الثقافية وتأثيرها على الصين:
دخلت الصين في فترة من الفوضى، وكانت من أكثر الفترات سوادًا في تاريخها، لأنها دخلت في دائرة من العنف وفتح باب من الجحيم يسمى بالاغتيالات، تأثر إقتصاد الصين للغاية، لأن أجهزة الدولة كلها كانت مدمرة، وتأثر التعليم بصورة كبيرة؛ فخلال تلك الفترة لم يتخرج طالب واحد، فضلًا عن نفي المثقفين إلى الأرياف، واشتغالهم بأعمال آخرى غير الكتابة، حاول ماو تزى تونغ إنهاء الثورة الثقافية عام 1968 ببيان رسمي، وأصدر أوامر بنفي الحرس الأحمر إلى القرى، وذلك للتخلص منهم... لكن لم تنتهى الثورة الثقافية بهذا البيان، واستمرت لمدة طالت عشر سنوات.

في الواقع أن هذا الموضوع كبير ومتفرع، ولكننى فضلت أن اركز على الخطوط العريضة له، ليكون الموضوع أكثر إمتاعًا وإفادة. فتاريخ الصين زاخر بالأحداث، وبالطبع نافذتك على الصين ستسعى جاهدة لتنقل لكم مقتطفات من التاريخ الصينى.... فهدفنا هو نشر المعرفة على أوسع نطاقاتها.


[1] التحريفيين: هم مناهضين للفكر الماركسى. للتعرف أكثر عن التحريفية ومفهومها تفصيليا يمكنك الإستعانة بالرابطين التاليين.
 http://www.ahewar.org/debat/s.asp?aid=282341&t=4

 http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=133295




بقلم: مى عاشور

عن الكاتب: Amr

----"مدون مهتم بكل أبعاد التجربة الصينية، حاصل على ليسانس الآداب من جامعة القاهرة عام 2008، ثم الماجستير من جامعة لانجو الصينية في عام 2012."
    Blogger Comment
    Facebook Comment