||

سوتشينغ: الكاتبة التي لا يعرفها الكثيرون

   
  "أتخيل بعد ثلاثين عامًا، أن الجبال الخضراء الناضرة ستبقى كما هي، وستظل  المياه الزمردية اللون تتدفق، أما أنا فسأعود إلى التراب، في المكان الذي يدفن فيه جثماني، وسيكتب على قبري لافتة بخط كبير "قبر الأديبة سو تشينغ"؛ لأنني قد كتبت عدد لا بأس به من المقالات، بل وكتبتها بكل إخلاص، على الرغم من أنها لم تكن ممتازة. وها أنا مازلت أواصل كتابتها، وأهيىء نفىسي لتصبح الكتابة هي  عمل عمري، فكيف لا أعمل على إبراز هويتي"

 هذه الكلمات قالتها سو تشينغ، وهي كاتبة صينية ولدت عام 1914 بمدينة نينغ بو Ning Bo   بمقاطعة زهجيانغ Zhe Jiang، كما أنها أيضًا محررة وروائية وكاتبة مسرحية، وأكثر ما أشتهرت به هي الكتابات النثرية. سو تشينغ هو اسمها المستعار الذي اختارته لنفسها، واسمها الحقيقي هو فنغ يوين جوانغ، والتى استخدمته في بداية ممارستها للكتابة. التحقت سو تشينغ بقسم اللغات الأجنبية بالجامعة القومية المركزية والتي تعرف بجامعة نانكينغ الأن، ولكن لمدة عام فقط؛ ثم تزوجت وفقًا للتقاليد التي كانت سائدة في ذلك العصر، وانتقلت بعد ذلك إلى مدينة شنغهاي.


"يمكن  أن تتخلى المرأة عن زوجها وإن تزوجت 10 مرات، ولكن مستحيل أن تفرط في طفل من أطفالها. وهولاء كلهم أبنائي، أبنائي أنا لا أحد غيري، أريد أن اربيهم حتى يكبروا أمام عيناي، أريد ، أريد، أريد".

لم يكن زواج سو تشينغ موفق، لأنه كان  مليىء بالمآسي والمتاعب، فبات الطلاق هو النهاية الحتمية لهذا الزواج. ولكنها طلقت بعد 10 سنوات، وكان لديها 3 أطفال بنتان وولد، ولم يكن أمامها سبيل آخر غير الإعتماد على الذات، فاتخذت الكتابة مهنة لكسب قوت يومها، ولتربية أبنائها. ومنذ تلك اللحظة تشكلت ملامح جديدة لشخصية سو تشينغ، وكأنها تحولت إلى شخصية أخرى، من امرأة راضخة لمجتمع عنصري يسلب المرأة أبسط حقوقها، إلى امرأة مفعمة بالتحدي، متمسكة بالحياة، وكانت هذه نقطة إنطلاقة جديدة لها. كانت سو تشينغ امرأة تغمرها مشاعر الأمومة؛ وقد يتضح مدى تمسكها بأولادها في جملتها السابقة، فقررت أن تكافح من أجلهم. لا يمكن الإغفال عن أنها كاتبة قوية؛ كانت تنشغل في كتابتها بقضايا المرأة ومشاكلها.   سو تشينغ هي من ضمن النساء اللاتي أثرن في تغيير المجتمع الصيني من مجتمع ذكوري يضطهد المرأة، إلى مجمتع يحترمها ويقدرها، وباتت تتمتع المرأة فيه بكامل حقوقها. قالت سو تشينغ في حوار صحفى لها: "ميزة كبيرة، أن يكون للمرأة عمل، لأنها إذا طلقت أو ترملت، ستصبح حياة طفلها مؤمنة. فمثلا، مات أبى ويُتمت عندما كنت صغيرة، ولم يكن لأمي عمل أو وظيفة؛ لذلك كانت حياتي قاسية وشاقة. إن عمل المرأة في يومنا هذا سيمنحها حياة أفضل".

"أريد أن أفصح عن كل شىء بداخلي، وأريد أن استمر في الكتابة حتى أموت من فرط الكتابة والإفصاح. سأكتب تجربة حياتى بشقيها التعيس والسعيد، وسأهب كل الكلمات والجمل التي أكتبها للتعبير عن مآسى وآلام المرأة، ولكن أحيانًا تعجز الكلمات عن التعبير والوصف، بل يمكنها أن تنفذ ولا تكفي. تفكيرى بقلق كاد أن ينسيني وجودي بالحياة".

تعددت أعمال سوتشينغ الأدبية وكان أول عمل لها عام 1935 هو "النفساء" ،  ومن أعمالها الأخرى "رياح الكون، السماء والأرض، القديم والحديث، نهاية المطاف...." وغيرها، ولكن من أشهرها "10 سنوات من الزواج"؛ و يرى الجميع أن هذا العمل بمثابة سيرتها الذاتية، على الرغم من أنها لم تصرح بذلك. ويصف الكثيرون كتابات سوتشينغ بأنها كتابات ذات طابع خاص، جريئة ومعبرة، فضلاً على أن الكلمات التى تكتبها تعكس مشاعرها، وتحمل معاني عميقة بين السطور، فإذا قرأت أعمالها بتركيز وتمعنت فيها، قد تلمس ملامح شخصيتها، وإذا قطعت شوط لا بأس به من قراءة أعمالها، فستصفها بأنها امرأة قوية. كانت مدينة شانغهاي ملهمة لها،  لأنها كانت تستمد منها طاقتها لمواصلة الكتابة.

"ما هو المكان الذي أعتبره نهاية مطافي؟. هو ذلك المكان الذى ستنعم فيه روحي بصفاء القلب والحب إلى الأبد".
       
في عام 1982 أصيبت سوتشينغ بمرض السكري، والدرن الرئوى، فرحلت عن عالمنا، تاركة خلفها كنوز أدبية ستتناولها الأجيال؛ كنوز تعد جزءًا من تاريخ الصين وتاريخ الأدب الصيني الحديث.

كتابة وترجمة: مي عاشور

عن الكاتب: Amr

----"مدون مهتم بكل أبعاد التجربة الصينية، حاصل على ليسانس الآداب من جامعة القاهرة عام 2008، ثم الماجستير من جامعة لانجو الصينية في عام 2012."
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 comments :

إرسال تعليق